العرض في الرئيسةتحليلات

المبعوث الاممي الى اليمن .. عندما يغرق في التسلسل ويضيع في التزمين

يمنات

عبدالعزيز ظافر معياد

[email protected]

رغم عدم كشف إسماعيل ولد الشيخ احمد، المبعوث الاممي الى اليمن، رسميا عن تفاصيل خطته المكتوبة التي سلمها لوفد صنعاء (المؤتمر والحوثيين)، الا انه من خلال تصريحاته و بيانه المنشور عن زيارته في صفحته الرسمية، أمس الثلاثاء، يرجح عدم وجود جديد في الخطة باستثناء بعض الإضافات الشكلية، التي يحاول من خلالها الالتفاف على تحفظات صنعاء المعروفة، ويمكن إيضاح ذلك من خلال عدة نقاط منها:

حديثه عن الحل الشامل بما فيها ترتيبات سياسية معناه مواصلة التركيز على اقتراح نائب توافقي بقرار صادر من هادي، تؤول اليه صلاحيات الرئيس، و هى محاولة لتأكيد شرعية هادي المنتهية قبل شن العدوان، و ذلك لإضفاء شرعية زائفة على قرار شن الحرب و فتح ثغرة تمكن قيادة السعودية و حلفائها من التملص مستقبلا من المسئولية القانونية عن المجازر التي ارتكبتها في اليمن و ما تزال.

خلو بيان ولد الشيخ و تصريحاته خلال زيارته لصنعاء من ضرورة وقف العدوان بقرار دولي ملزم و رفع الحصار بكل اشكاله و غموض الطرف الثالث و مآل الوضع الذي سيكون في المحافظات الجنوبية و الشرقية خاصة مع تواجد قوات عسكرية و مخابراتية لدول التحالف في عدن و حضرموت، ما يرجح تهميشه لتلك القضايا في خطته المقدمة و عدم وضعها كبنود رئيسية و واضحة فيها، كما ان حديثه في بيانه عن وضع تسلسل واضح و مزمن للإجراءات الأمنية و السياسية، يكشف عن استمرار طرحه للتنفيذ المتتابع و ليس المتزامن بعكس ما دعت اليه خطة كيري و اصراره أيضا في تقديم الحل الأمني على السياسي رغم عدم منطقية ذلك.

و هنا يبدي المبعوث الاممي إصرارا عجيبا على التسلسل في التنفيذ رغم ان الركيزة الأساسية في خطة كيري كانت معالجة هذه المعضلة التي اجهضت مفاوضات الكويت، و مع ذلك مازال ولد الشيخ يبدي تعنتا غريبا في هذا الامر، كما ان حديثه المتكرر عن تزمين التنفيذ هو كلام انشائي لا اكثر بدليل انه اعتاد التأخر عن المواعيد التي كان يعلن عنها سابقا، كما حصل في ختام مفاوضات الكويت عندما حدد شهر لبدء الجولة التالية من مفاوضات السلام، و قبلها تأخر نحو ثلاثة اشهر عن موعده المعلن في جنيف لعقد مفاوضات الكويت، و اعتقد أن الامر لن يتغير بالنسبة للمواعيد التي سيتم تحديدها لتنفيذ اتفاق سلام المرحلة الانتقالية.

لعل اكثر الأمور لفتا للانتباه في بيان ولد الشيخ، استمراره في التلاعب بالألفاظ، و الذي كان اكثر وضوحا في الفقرة الخاصة بجريمة الصالة الكبرى، فنجده يقول في بيانه موقع الهجوم و ليس موقع القصف، كما تجنب ادانة المجزرة تماما او حتى الاعراب عن الأسف لوقوعها، علاوة على تجاهل ابداء أي دعم للمطالبة بلجنة تحقيق دولية او ضرورة محاسبة مرتكبيها و ضمان نيلهم العقاب العادل.

و في محاولة لإظهار تفاعله مع مطالبات عائلات ضحايا الصالة لإعادة فتح مطار صنعاء امام الملاحة الدولية و تمكينهم من نقل جرحاهم للعلاج في الخارج، قال ولد الشيخ في بيانه انه قام بدعوة الأطراف المعنية لتسهيل عودة الطائرات المدنية الى مطار صنعاء الدولي، فلم يتجرأ حتى على ذكر السعودية او ما يسمى التحالف بالاسم و استعاض عنها بالأطراف المعنية بصورة تعبر عن حرصه الشديد على إبقاء السعودية بعيدا و كأنها غير معنية بالمطلق بما حدث.

كل ذلك يظهر خطورة توقيع أي اتفاق للسلام و اي تفاهمات فرعية مكتوبة يشرف على صياغتها ولد الشيخ خلال الفترة التالية لإعلان وقف اطلاق النار، لأن التلاعب بالصياغة و اختيار عبارات مطاطية و غامضة تحتمل اكثر من تفسير ستكون هي سمة تلك الاتفاقات، الأمر الذي يفتح الباب واسعا امام تمكين الرياض و حلفائها من التنصل من التزاماتهم و الالتفاف على ما تم الاتفاق عليه خلال الفترة الانتقالية.

رغم سلبية ولد الشيخ من مسألة الصالة الكبرى، الا ان الضغط عليه في هذه النقطة (الاحتشاد امام مقر اقامته، توصيل رسالة عائلات الضحايا اليه و قبل ذلك دفعه لزيارة موقع المجزرة الإرهابية)، اضطره للخوض في الموضوع و الاشارة اليه في بيانه، في حين ان عدم الضغط عليه و احراجه في قضايا أخرى كالبنك المركزي و أزمة الراتب ومجاعة تهامة، جعلته يتجاهل الحديث عنها في بيانه رغم أهميتها و مخاطرها الوشيكة، ما يعني ضرورة تركيز ساسة صنعاء في التعامل معه على الضغط الشخصي و الحرص على وضعه دائما في زاوية ضيقة لا يستطيع الفرار منها في القضايا المتعلقة بالعدوان في الفترة المقبلة.

و في المجمل بات واضحا من بيان ولد الشيخ الصحفي، تعزز قناعته باستحالة الحسم العسكري، و الذي يبدو انه انعكاس لقناعة بدأت تترسخ لدى صانع القرار السعودي بذلك.

أخيرا كان لافتا تصريحات شخصيات محسوبة على حزب الإصلاح (اخوان اليمن) أمس الثلاثاء، تكشف عن رفض ضمني للقوى اليمنية المتواجدة في الرياض لإنهاء الحرب، كما نلمسها في تصريحات راجح بادي المتحدث الرسمي باسم حكومة هادي و مسارعته لنفي تسلم الحكومة أي خطة للحل السياسي بعكس ما اعلن عن تسليم ممثلين عن ولد الشيخ في الرياض لنسخة مكتوبة من خارطة الحل السياسي التي قدمها في صنعاء.

يضاف الى ذلك رفض ضمني من عبدالله الشندقي المتحدث باسم ما يسمى مقاومة صنعاء في تصريح للإمارات اليوم، لما يقوم به ولد الشيخ في صنعاء عبر التلميح الى رفض أي حل لا يستند الى القرار 2216 حرفيا، في حين كان ما يسمى مجلس تنسيق المقاومة في تعز، المهيمن عليه من قبل الاصلاح، اكثر وضوحا في رفضه للسلام، و ذلك بدعوته لمواصلة العمليات العسكرية لتحرير المدينة و عدم التعويل على أي مبادرات أممية، و كل ذلك يظهر استياء تجار الحروب داخل و خارج اليمن من أي تسوية سياسية قريبة، و سعيهم بكل الوسائل لعرقلة أي جهود تبذل لإنجاحها، و يبدو ان تمكن مراكز النفوذ و الفساد من السيطرة الكاملة على إيرادات النفط و الغاز في مأرب و ايرادات منفذ الوديعة بحضرموت، جعلهم يسعون لإطالة امد العدوان و الازمة الراهنة حتى يتمكنوا من الاستيلاء على اكبر قدر من تلك الأموال و تسخيرها لصالح تكريس سطوتهم المستقبلية في تلك المحافظات و اليمن عموما.

المصدر: حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى